صياغة الذهب:
تاريخ الذهب في السودان :
كانت الممالك المصرية تغزو بلاد النوبة من أجل المعدن النفيس وإن محمد علي باشا حاكم مصر غزا السودان من أجل الذهب لقد كانت الأطماع الذهبية هي المحرض الأساس على إحتلال السودان منذ التاريخ القديم وظل الذهب قاسما مشتركا في كل محاولات غزو السودان. ولن الذهب يملك القيمة (السياسية) فقد كان من الضروري أن تكون صناعته قديمة وترجع إلى الحضارة النوبية قبل سبعة آلاف عام، وتطورت خلالها ادوات وطرائق صناعتها.
ظل الحال هكذا إلى وقت هجرة الحاج عبدالرحمن التباد جد التبيداب من قريته في جزيرة ( لبب ) بشمال السودان نهايات القرن الثامن عشر إلى منطقتي حيفا ويافا بفلسطين لتعلم صياغة الذهب من يهودها ولكن يهود حيفا رفضوا تعليمه أسرار المهنة لأنهم يعتبرونها سر من اسرارهم المقدسة ولحبه للتعلم ثقب الحاج عبدالرحمن سقف ورشة الصياغة التي كان يعمل بها ليتلصص على ما يصنعون وحين اكتشفوا ما يفعل علموه الصنعة مكرهين.
ومن قصة التباد واليهود يبدأ تاريخ فن صياغة الذهب في السودان فقد عاد التباد من هناك واحضر معه عدة بدائية عبارة عن مطرقة وسندان وعدد آخر من الآلات البدائية وباشر العمل في منطقة ( جزيرة لبب ) وشرع في تعليم شباب الجزيرة أسرار الصنعة .
نزح أحفاد الشيخ عبدالرحمن تبيدي من لبب على دنقلا العجوز، ثم اتجهوا جنوبا إلى امدرمان وكلمة تباد باللغة النوبية تعني الحداد وكل
من يقوم بصهر المعادن وتشكيلها .. وحرف الإسم ليصبح أسما ولقبا لأسرة ثم اسما لبطن في قبيلة التبيداب ذات الأصل النوبي والتي تصاهرت فيما بعد مع أهل قرية (ودشلعي) على النيل الأبيض.
وتشتهر منطقة ( ود شلعي ) بأنها تقدم أمهر ( الصاغة ) ومن الأسر العريقة في تخصص الذهب (أسرة عبدالمجيد) وأسرة ( ود مله ) واسرة الميسيكتاب التي تعد من اشهر الأسر العريقة في الصنعة وكان ( ذهب الميسكتاب ) عالي القيمة ومضمونا قبل ظهور الأختام.
كان العمل يتم في المنازل المجاورة للورش وكانت عدة الشغل محفوظة داخل (سحارات) جداتنا وكان تعلم المهنة يتم داخل العائلة .
وحول التنوع الثقافي الذي يشكل الفيسيفساء السودانية ان ذلك يتجلى بشكل واضح في ما تتزين به النساء من حلي ذهبية فلكل منطقة ذهبها و ( دقتها ) فـ ( الشف ) وهو حلية ذهبية تشبه الجنيه الإنجليزي الذهبي زينة نساء الغرب والوسط و( الرشمة والزمام ) والرشمة سلسلة تربط بين الأذن والأنف، والزمام حلقة ذهبية تثقب لها الأنف وتشتهر بها نساء كردفان وفي الشرق تتزين النساء (بالحجول) والحجل أسورة ذهبية كبيرة الحجم تلبس اسفل الساق وتتزين نساء الشمال بالسلاسل حول الأعناق وأن هناك تصالحا جماليا بين نساء السودان حول السورة والخاتم وحلق الأذن وسلاسل الجيد.
طقم ذهب مكون من جينهات كثيرة متصلة
السحارة
طقم ذهب قديم مكون من حلق الفدو (الهلال) والتولة وهي العقد
الحجول
وهناك نساء امتهن صياغة الذهب أزمانا واشهرهن الجدة ( ست ابوها يوسف البحر) وكن يساعدن ازوجهن في السبك والصهر والسحب وغيرها من الأعمال لكنهن اكتفين الآن من الذهب بزينة يتزين بها دون المشاركة في الصنع. وفي فترة ستينات القرن الماضي شهدت صناعة الذهب تطورا نوعيا وكميا، وعلى الرغم من أن العمل كان يدويا لكنه كان الأجمل لوجود العمال المهرة .. ( لكن الحكومات ) اهملت هذا الجانب مما جعله ينحسر والسودانيون أحد اربعة شعوب ماهرة في المشغولات الذهبية في العالم. وللمشغولا ت الذهبية انواعها واسماء مختلفة بعضها محلية وبعضها مستورد من الخارج وللسودانيات عشق خاص بالذهب البحريني والخليجي عموما فهو يخطف القلوب قبل الأبصار وان اسماء واشكال النقوش الذهبية التي يطلق عليها محليا ( الدقات ) تتغير بتغير المواسم والأحداث فمرة تكون على شكل عقود ذهبية يطلق عليها ( كرسي جابر ) تيمنا بالشيخ جابر الأحمدي أمير الكويت السابق وتحمل مرة أخرى ( صدام في الخليج ) أما الزبونه السودانية تحرص على الجودة والدقة لا سيما إذا تعلق الأمر بـ ( الذهب ) فهي تبحث عن الخام الجيد والصناعة المتقنة دون إهتمام بالسعر ولأنها تقدر جمال النقوش وفرادتها مما يسبب للأزواج والمقبلين على الزواج كثيرا من العنت (الذهبي).