أما السلطة القضائية و دورها في السلطة بالسودان فيمكن تقسيمها على عهدين

عهد المصلحة القضائية 1899-1956

عهد الهيئة القضائية 1956-2005

كانت القضائية في العهد الأول جزء من السلطة التنفيذية و في العهد الثاني انفصلت و استقلت عن السلطة التنفيذية إلا أنه دار لغط في كل العهود حول مدى ذلك الإستقلال.

كانت إدارة حكومة السودان أثناء نظام الحكم الإستعماري تختلف عن إدارة المستعمرات البريطانية ، فبدلا من سكرتير أول يكون مسئولا لدى الحاكم العام عن الإدارة ككل و توكل إليه الأشياء الهامة ، كان يوجد سكرتيرون ثلاثة في السودان إداري و مالي و قضائي.

و كان السكرتير القضائي مسئولا عن التشريع و القضاء و مصلحة الأراضي

و تسجيلات الأراضي. و كان هؤلاء السكرتيرون الثلاثة يباشرون اعمالهم في دائرة إختصاصهم كرؤساء على المديرين فكان إشراف الحاكم العام على إدارة المديريات تتم من خلال هؤلاء السكرتيرين.

كانت إدارة الإستعمار للبلاد إدارة عسكرية محضة في جميع جوانبها الإدارية

و القضائية و التشريعية ينفذها ضباط عسكريون بريطانيون. و قد كان الحاكم العام هو رأس السلطة القضائية و لم تكن السلطة القضائية منفصلة عنه و لا عن بقية المصالح فعادة ما تجد الحاكم العام يصدر إعلانا بنقل فلان من المصلحة الفلانية إلى المصلحة القضائية أو العكس. و قد تعاقب على إدارة الحكم الإستعماري في السودان (1899-1956) ثمانية في وظيفة الحاكم العام و مثلهم في وظيفة السكرتير الإداري و سبعة في وظيفة السكرتير القضائي.

قسم المستعمر الإنجليزي القضاء (1899-1956) إلى قسمين أحدهما القسم المدني و يشمل الدوائر المدنية و الجنائية و يرأسه رئيس القضاء و ثانيهما القسم الشرعي

و يرأسه قاضي القضاة و يرأس الجميع كما تقدم السكرتير القضائي الذي يرأسه الحاكم العام.

أنشئ مبنى إدارة القضاء في السودان لأول مرة ما بين عامي 1850-1851 أي قبل ما يزيد على مائة و خمسين عاما و ذلك على عهد الحكمدار عبداللطيف باشا الذي تولى الحكم في السودان ما بين أكتوبر 1849 و ديسمبر 1851.

و قد بنيت المحكمة في سمت واحد مع ديوان مديرية الخرطوم و ديوان الحكمدارية. كان المبنى مقام من الطوب الأحمر و يسمى “محمكة العموم” و كانت الخرطوم كلها في ذلك العهد عبارة عن قرية صغيرة بلغ أقصى امتداد لها في أواخر العصر التركي ما بين حديقة الحيوان شرق قاعة الصداقة إلى مبنى وزارة الصحة. كان هذا المبنى يقع وقتها في حي الحكمدارية و هو يمتد من عند ديوان المراجع العام إلى مكان جامعة الخرطوم و هو أهم أحياء الخرطوم و فيه دواوين الدولة و بيوت كبار الموظفين.

و شهدت سنة 1906 نشاطا واضحا في بناء منازل الموظفين و في 1907 شيد عدد من المصالح المهمة كمباني الري و مبنى دار الحقانية التي شادها قسم الأشغال العمومية تحت رئاسة الكابتن كندي بك من المهندسيين الملكيين و اعتنى ببنائها المستر هتشرد و المستر بردجمن مهندسي البناء تحت ملاحظة المهندسييين الرئيسيين المستر كلاكستون و المستر سلايد. و هي البناية الممتدة شرقا و غربا بمحاذاة شارع الجامعة من غير الجناحين الملتصقين بها و ممتدان إلى جهة الشمال فقد أنشئ كل واحد منهما في زمن لاحق. و قد افتتحت دار الحقانية في 24/2/1908.

لم تكن للإدارة البريطانية سياسة تشريعية منتظمة بل دأبت على إصدار التشريعات وفق سياسة تخدم مصالحها الإقتصادية فإنها لم تهتم بإصدار قوانين للإلتزامات المدنية و المسئولية التقصيرية و التأمين و غيرها من القوانين الأساسية التي تطبق في مجرى الحياة العملية اليومية.

استطاع القضاء السوداني طوال ستين عاما تقريبا الفصل في القضايا المدنية طبقا لقواعد العدل حسب المفاهيم الإنجليزية في معظم الأحيان و حسب المفاهيم الإجتماعية و الإقتصادية السودانية أو المفاهيم العربية في أحيان نادرة.

تعهدت بريطانيا و مصر بموجب المادة التاسعة من إتفاقية الحكم الذاتي و تقرير مصير السودان على أن تنهيا فترة الإنتقال بأسرع ما يمكن و هي الفترة التي بدأت بانتخاب أول برلمان سوداني في أول يناير 1954.

و شهد القضاء السوداني مرحلة أخرى في فترة الحكم الوطني. نجد أنه ومنذ تكوين الحكومة الوطنية الأولى في 9/1/1954 و حتى 1989 أن السمة الأساسية للوضع في البلاد هي التغيير المستمر للحكومات حيث انتقلت البلاد من العهد الحزبي الأول في 1954 إلى العهد العسكري الأول في نوفمبر 1958 ثم جاءت ثورة أكتوبر 1964 لتدخل البلاد في عهد الحكم الحزبي الثاني الذي انتهى في 25 مايو 1969 بقيام الحكم العسكري الثاني و في رجب (أبريل) 1985 دخلت البلاد في فترة إنتقالية ثم الحكم الحزبي الثالث الذي انتهى بقيام ثورة الإنقاذ الوطني في 30/6/1989.